أن تعرف حكمة الله من المصائب التي يسوقها اللهُ لعباده فهذا جزءٌ من عقيدة المسلم، وأن تعرف حكمته البالغة من المصائب التي يسوقها لعباده فهذا يعينك على تقبلها، ويساعدك على أن تستفيد منها.
المصائب نوعان في الأصل ؛ نوع يتجه إلى الكفار، ونوع يتجه إلى المؤمنين
فمصائب الكفار… نوعان ؛ قصمٌ وردعٌ
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى إذا علم أن فلاناً لن يؤمن
وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ سورة هود: الآية 36
فإذا علم الله سبحانه أن هذا الإنسان لن يزيده عمره إلا فساداً، ولن يزيده استمرار حياته إلا انحرافاً، يقصمه الله سبحانه وتعالى، وهذه مصائب قصمٍ، وهذا ما جرى لقوم نوح عندما أغرقهم الله بالطوفان
أما مصائب الردع فإذا علم الله سبحانه وتعالى أن هذا الإنسان فيه بقيةٌ من خير، وفيه أثر من إيمان، فإنه يرسل له مصيبة لردعه عما هو فيه، فهذان النوعان هما مصائب أهل الدنيا، مصائب المنحرفين، ومصائب الكفار مصائب قصم و ردع
اما مصائب المؤمنين مصائب دفع، ومصائب رفع
قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)
البقرة:155-157
فربنا عز وجل… يدفع المؤمن إلى بابه دفعاً، يدفعه إلى بابه مهرولاً، فيلجأ إلى باب الله عز وجل بمصيبة تلحقه لتردّه إلى الله ضارعًا منيبًا
فأية مصيبة يسوقها الله عز وجل للمؤمن تزيده معرفة بربه، و تزيده حباً له
عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا
يدعو لهم، ويعتذر عنهم، ولا يتخلى عنهم، فمصائب الأنبياء تكمل بكمالاتهم، ومصائب المؤمنين.. دفع من الله ورفع لمقاماتهم، ومصائب الكفار.. قصم لهم، إذا لم يكن فيهم خير، وإذا علم أنّ فيهم بقية خير، كانت مصيبته لهم ردعًا
والحمد لله رب العالمين
http://www.nabulsi.com/web