الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
كان صلى الله عليه وسلم أنظف خلق الله تعالى بدناً، وثوباً، وبيتاً، ومجلساً، فلقد كان بدنه الشريف نظيفاً وضيئاً
وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال:
(مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وعن أبي قِرْصافة قال:
(ذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحن، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي ورجعنا من عنده منصرفين قالت لي أمي وخالتي: يا بني ! ما رأينا مثل هذا الرجل، ولا أحسن منه وجها، ولا أنقى ثوبا ولا ألين كلاما! ورأينا كأن النور يخرج من فيه ـ أي من فمه ـ )
وكان صلى الله عليه وسلَّم يستاك حين خروجه من منزله، وحين دخوله.
النظافة جزءٌ من الدين، و النظافة لا تُجزَّأ، نظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة النيَّة، ونظافة الهدف، ونظافة البدن، ونظافة الثياب، ونظافة المَجلس، ونظافة البيت، فالنظافة جزءٌ من الدين لا يتجزَّأ.
فقد روى الترمذي عن سعدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ)
وعن سليمان أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
(استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر)
توسيع معنى النظافة ليشمل نظافة الهدف، ونظافة الباعث، ونظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة العلاقات، النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:
(لن يدخل الجنة إلا كل نظيف)
روى النسائي والإمام أحمد عن جابرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ)
روى مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
(عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ)
من توجيهاته صلى الله عليه وسلَّم، حثُّه على التنظُّف من آثار الطعام والشراب، فقد روى الحكيم الترمذي عن عبد الله بن بُسْرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال:
(قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم ـ القلامة الظفر المقصوص ـ ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم ـ اللثَّة ـ من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علي قحرا بخرا)
قحراً أي بأسنان صفراء من شدة الإهمال، بخراً رائحة فم كريهة.
وروى الترمذي عن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ)
المعنى بالوضوء هذا غسل اليدين والفم فقط، أما الوضوء الشرعي فهو وضوء الصلاة، أما للطعام فغسل اليدين غسلاً جيداً.
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو نعيم عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير)
وروى أبو نعيمٍ عن جابرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى رجلاً وسخة ثيابه فقال:
(أما وجد هذا شيئا ينقي به ثيابه ؟)
عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَمَّتِهِ رُهْمٍ عَنْ عَمِّهَا عُبَيْدَةَ بْنِ خَلَفٍ قَالَ:
(قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا شَابٌّ مُتَأَزِّرٌ بِبُرْدَةٍ لِي مَلْحَاءَ أَجُرُّهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ فَغَمَزَنِي بِمِخْصَرَةٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أَبْقَى وَأَنْقَى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ بُرْدَةً مَلْحَاءَ أَمَا لَكَ فِي أُسْوَتِي فَنَظَرْتُ إِلَى إِزَارِهِ فَإِذَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَتَحْتَ الْعَضَلَةِ)
ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلَّم في تنظيف المساجد ما رواه أبو داود والترمذي عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
(عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا)
وتميم الداري من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كان في الشام فاشترى قناديل لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فلما وصل إلى المدينة أمر غِلْمَانه فركَّبوا هذه القناديل، وأسرجها يوم الجمعة، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام فرأى المسجد قد نوِّر فقال: " من فعل هذا ؟" فقالوا: تميم، فما كان عليه الصلاة والسلام إلا أن دعا وقال: " اللهمَّ نوِّر قلبه كما نوَّر بيتك"، وقال له:" لو أن عندي بنتًا لزوجتكها ". فقال أحد الصحابة: " عندي فتاة يا رسول الله أنا أزوِّجه إيَّاها "، فزوَّجه إيَّاها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ)
إنّ الإنسان يصلي قيام الليل في بيته، ويصلي السنة في بيته، ويصلي الفرض أحياناً مع أهله وأولاده، وكأن النبي أراد أن تكون أجمل غرفة، وقد تكون غرفة الضيوف فيها سجادة مريحة نصلي عليها، فهذا المكان في البيت سمَّاه النبي مسجدًا، وفي كل بيتٍ مسجدٌ لصلاة النوافل، وصلاة السنن، وصلاة الليل، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلَّم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظَّف وتطيَّب.
http://www.nabulsi.com/web