هذه الآية أيها الإخوة شهادة خالق الكون لنبيِّه الكريم بأنه كان في أعلى درجات العقل، حينما أنعم الله عليه بنعمة النبوُّة والرسالة
يقول بعض العلماء
إن الله تعالى لم يعطِ جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها، من العقل في جنب عقل محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم إلا كحبَّة رملٍ من جميع رمال الدنيا، وأن محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم أرجح الناس عقلاً، وأفضلهم رأياً
دخل سيدنا خالد على رسول الله فسلَّم عليه بالنبوَّة، قال له:” السلام عليك يا رسول الله “، فقال عليه الصلاة والسلام: ” تعالَ أقْبِل “ فأقبل، فقال عليه الصلاة والسلام
الحمد الله الذي هداك، فقد كنتُ أرى لك عقلاً، ورجوت أن لا يسلمك إلا إلى الخير
عن قُرَّة بن هُبَيرة رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلَّم فقال: ” إنه كان لنا أربابٌ وربَّاتٌ نعبدهن من دون الله عزَّ وجل، فدعوناهنَّ فلم يجبن، وسألناهن فلم يعطين فجئناك فهدانا الله بك، فنحن نعبد الله “. فقال عليه الصلاة والسلام
ويُروى أن أعرابيًّا دخل على النبي صلى الله عليه وسلَّم، وبيَّن له النبي أوامر الإسلام ومناهيها، فخرج الأعرابي وأعلن إسلامه، فقال له قومه: ” بمَ عرفت أنه رسول الله ؟ ” فقال الأعرابي: ما أمر محمٌد بأمرٍ فقال العقل ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيءٍ فقال العقل ليته أمر به
أدرك عبد المطلب حقيقة الآخرة بعقله، ذلك أنه قال يوماً: ” ما من ظالمٍ يشتدَّ ظلمه إلا انتقم الله منه قبل أن يموت “ فقيل له: ” فلان جار وطغى “، فقال: “انتقم الله منه يوم كذا وكذا، فقيل له: فلان، فقال: ” انتقم الله منه يوم كذا وكذا “ فقيل له: ” فلان جار وطغى ولم يصبه شيء “، ففكَّر طويلاً ثم قال: ” إذاً لابدَّ من يومٍ آخر ينتقم الله منه “.
الحسن البصري يقول
أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك آخذ وبك أعطي
عليه الصلاة والسلام، لقد كان في أعلى درجات الحنكة القياديَّة، فأمر بعض أصحابه أنْ يتعلَّم السريانيَّة، وأمر بعض أصحابه أن يتعلَّم العبرانيَّة حتى يأمن مكر هؤلاء روى الإمام أحمد وغيره عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة ، فاذهب فشتِّت جموع العدو وألقِ بينهم بدهائك
فخرج حتى أتى بني قريظة وهم طائفة اليهود، وكان لهم نديماً فقال
قد عرفتم ودي إياكم وخاصَّةً ما بيني وبينكم “، قالوا: ” صدقت لست عندنا بمتَّهم “، فقال لهم:” إن قريشاً وغطفان ليسوا كأنتم ـ أي ليسوا مثلكم ـ البلد بلدكم، به أموالكم، وأبناؤكم، ونساؤكم، ولا تقدرون أن تتحوَّلوا منه إلى غيره، وإنهم جاؤوا لحرب محمدٍ وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره، فإن رأوا نهزةً أصابوها ـ أي فرصة ـ وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبينهم، ولا طاقة لكم بمحمد إذا خلا بكم، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقةً لكم، على أن تقاتلوا معهم محمداً حتى تناجزوا
ثم أتى قريشاً وقال لأبي سفيان ومن معه
قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمداً، وإنه قد بلغي أمراً رأيته حقاً عليَّ أن أبلغكموه، نصحاً لكم فاكتموه عني
قالوا: نفعل، قال نعيم
إن اليهود ندموا على ما صنعوا وأرسلوا إلى محمدٍ إنا قد ندمنا على ما فعلنا، أيرضيك أن نأخذ من أشراف قريش وغطفان رجالاً تضرب أعناقهم كرهائن، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم محمد نعم، قال نعيم: فإن بعثت إليكم اليهود يلتمسون إليكم الرهائن فلا تدفعوا إليهم رجلاً واحداً
ثم إن نعيماً أتى غطفان فقال
إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهمونني “، فقالوا: صدقت وما أنت عندنا بمتهم، فقال: ” فاكتموا عني ” قالوا: نفعل. فقال لهم مثلما قال لقريش
أبا سفيان ورؤوس غطفان أرسلوا إلى اليهود من بني قريظة عكرمة في نفرٍ من القبيلتين: ” إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمداً، ونفرغ ما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم: ” إن اليوم يوم السبت لا نعمل فيه شيئاً، وكان قد أحدث فيه بعضنا حدثاً فأصابه ما لم يخفَ عليكم، ولسنا بمقاتلين معكم حتى تعطونا من رجالكم يكونون بأيدنا ثقةً لنا حتى نناجز محمداً، فإنا نخشى إن اشتدَّ عليكم القتال أن ترجعوا إلى بلادكم، وتتركونا والرجل، ولا طاقة لنا به فقالت قريش وغطفان: ” والله إن الذي حدثكم به نعيم لحق “
، فأرسلوا إلى بني قريظة: ” إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً “، فأبوا عليهم وخذَّل الله بينهم، وبعث الله عليهم الرياح في ليالٍ شديدة البرد، فأكفأت قدورهم وطرحت أبنيتهم
لمجرَّد أن تخشى الله فأنت عالِم، أي عرفت أن لك رباً، وأن له منهجاً، وأن عليك أن تطيعه، فمعرفة هذا الشيء دليل رجاحة العقل