هي من أحب الزوجات إلى قلبه الشريف؛ إنها السيدة عائشة رضي الله عنها

 خولة بنت حكيم، اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يتزوَّج عائشة  بنت أبي بكر 

 دخلت بيت أبي بكر, فوجدت أم رومان، -أي أم عائشة- فقلت لها: ماذا أدخل الله  عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ فقالت: أرسلني رسول الله صلى الله  عليه وسلم لأخطب له عائشة  قالت: وددت، انتظري أبا بكرٍ فإنه آتٍ, وجاء أبو بكر، فقلت له: يا أبا بكر,  ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه  وسلم لأخطب له عائشة ,  قال الصديق رضي الله عنه: وهل  تصلح له؟- .
  فرجعت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقلت له ما قال أبو بكر, فقال عليه الصلاة والسلام

 ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ, وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي فَرَجَعَت

 [أخرجه أحمد في مسنده] 

 فأتيت أبا بكرٍ فذكرت له ذلك،  قال : انتظريني حتى أرجع 

 قالت أم رومان : إن المطعم بن عدي كان قد ذكر عائشة على ابنه زبير، ولا والله ما وعد أبو بكرٍ شيئاً قط فأخلف 

 دخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم زبير، وكانت مشركةً، فقالت العجوز:  يا بن أبي قحافة, لعلنا إن زوَّجنا ابننا من ابنتك, أن تصبئه وتدخله في  دينك الذي أنت عليه  التفت إلى زوجها المُطعم فقال: ما تقول هذه؟ هل حقاً تخاف إن زوَّجت ابنك  ابنتي أن يدخل معي في الإسلام؟ فقال: إنها تقول كذلك,
 فخرج أبو بكرٍ رضي الله عنه, وقد شعر بارتياحٍ لما أحلَّه الله من وعده، وعاد إلى بيته فقال لخولة: ادعِي لي رسول الله  مضت خولة إلى الرسول الكريم فدعته، فجاء بيت صديقه أبي بكر، فأنكحه عائشة,  وهي يومئذٍ بنت ست سنين أو سبع, -طبعاً لم يقع زواج لكن جرى عقد- وكان  صداقها خمسمئة درهم  

عُرفَ قومُ عائشة، وهم بنو تميم بالكرم، والشجاعة، والأمانة، وسداد الرأي، كما كانوا مضرب المثل في البر بنسائهم، والترفُّق بهن، وحسن معاملتهن

سيدنا الصديق له شهرةٌ ذائعة في دماثة الخُلق، وحسن العشرة، وقد أجمع مؤرخو الإسلام على أنه كان أنسب قريشٍ لقريش، وأعلم الناس بها، وبما كان فيها من خيرٍ وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ معروف، يأتيه رجال قومه, ويحكّمونه في أمورهم لعلمه، وخبرته، وحسن مجالسته

يقول عليه الصلاة والسلام

 ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر

 ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبي بكر, قيل: فبكى أبو بكر, قال: يا رسول الله, وهل أنا ومالي إلا لك


 سيدنا الصديق يمشي على قدميه, وهو خليفة المسلمين، وسيدنا أسامة بن زيد، عمره سبعة عشر عاماً, يركب الناقة، قال

 والله يا خليفة رسول الله, لتركبن أو لأنزلن, قال: والله لا ركبتُ ولا نزلتَ، وما عليَّ أن تُغبّر قدماي ساعةً في سبيل الله

 هذه الصحابية الجليلة، التي هي من أذكى نساء النبي، وقد روت عن رسول الله  ألفي حديث، عالمةً، فقيهةً، راوية  للحديث، وكانت من أحبِّ الزوجات إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه  السيدة المصون أيضاً, قدوةٌ لكل امرأةٍ, تطمح أن تكون ذات شأنٍ عند الله عز  وجل 

قال بعض العلماء

 ((إن ربع الأحكام الشرعيَّة عُلِم منها)) 

ويقول العلماء أيضاً: ما رأوا أحداً أعلم بمعاني القرآن, وأحكام الحلال والحرام, من السيدة عائشة، وما رأى العلماء أحداً أعلم بالفرائض, والطب, والشعر, والنسب, من السيدة عائشة, مع أنها صغيرة, إلا أنها كانت شيئاً نادراً في الذكاء، وشيئاً نادراً في الحفظ، وشيئاً نادراً في الوفاء للنبي عليه الصلاة والسلام

كانت ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب، وكانت متوقِّدة الذهن، نيِّرة الفكر، شديدة الملاحظة، وهي وإن كانت صغيرة السن, لكنّها كبيرة العقل

ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهي السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً، وأشد استعداداً لتلقي العلم، لما تهيَّأ لها ذلك

قال الإمام الزُهري

 لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء, لكان علم عائشة أفضل

عطاء بن أبي رباح يقول

 كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة

وقال أبو موسى الأشعري

 ما أشكل علينا أمرٌ, فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها فيه علما

وقال مسروق

 رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الأكابر يسألونها عن الفرائض

وقال عروة

 ((ما رأيت أحداً أعلم بفقهٍ ولا طبٍ ولا بشعرٍ من عائشة)) 

وقال أبو الزناد

 ((ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً)) 

 هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، واستقبله الأنصار،  لم ُيرَوْا فرحين فرحهم برسول الله صلى الله  عليه وسلَّم 

 طلع البدر علينا من ثنيِّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع 

عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في حديث الهجرة، قال

 وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق, وعلى البيوت،  والغِلمان, والخدم, يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد،  الله أكبر جاء رسول الله، وكان الأنصار قد اجتمعوا, فمشوا حول ناقته صلى  الله عليه وسلَّم، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شُحَّاً على  كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له، وكلَّما مرَّ بدارٍ من  دور الأنصار, دعوه إلى المنزل، فيقول عليه الصلاة والسلام: دعوها فإنها  مأمورة, فإنما أنزل حيث أنزلني الله, ونزلت في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي  الله عنه

 لما استقر عليه الصلاة والسلام بالمدينة، أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى  مكة, ليأتيا بمن خلَّف من أهله، وأرسل معهما عبد الله بن أريقط, يدلهما على  الطريق، فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسودة زوجِه، وأم أيمن حاضنته في  صغره، وابنها أسامة بن زيد، وأما زينب فمنعها زوجها أبو العاص بن الربيع،  وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي بكر بأم عائشة زوج أبيه، وأختيه عائشة  وأسماء زوج الزبير بن العوام، وكانت حاملاً بابنها عبد الله بن الزبير، وهو  أول مولود للمهاجرين في المدينة، وصحبهم من مكة طلحة بن عُبيد الله

 وصلت هذه السيدة الجليلة إلى المدينة مع أمها أم رومان، وأختها أسماء،  وأخيها عبد الله، واستقروا في دار الوالد الصديق رضي الله عنه، ولم تمضِ  أشهر معدودات, حتى تكلَّم الصديق رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة  والسلام في إتمام الزواج الذي عقده بمكة 

 سارع النبي عليه الصلاة والسلام، وسارعت نساء الأنصار إلى منزل الصديق, لتهيئة هذه العروس الشابَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم

  أم السيدة عائشة رضي الله عنها، دخلت على النبي صلى الله عليه  وسلَّم, وهو في دار أبي بكر, وقالت 

 يا رسول الله هؤلاء أهلك، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك


 هذه العروس  احتلَّت مكانها المرموق في بيت  النبوة، وحياة رسول الله، وتاريخ الدعوة، والتاريخ الإسلامي 

 يُشهد لهذه الزوجة, أنها كانت في أعلى مستوى من العلـم والمعرفة في شؤون الدين، وعلى جانبٍ عظيم من الدراية لأسرار الأحكام الشرعية، ولها منزلة رفيعة من التقوى والورع، بالإضافة إلى معرفتها بالأمور الاجتماعيَّة والسياسية

 رضي الله عنها


https://www.nabulsi.com/web

تم عمل هذا الموقع بواسطة