تقوم فلسفة العمل لدي اليابانيين على قاعدة أن العمل جزء من عقيدتهم الدينية لذلك فالعامل الياباني يشعر براحة شديدة وانجاذب نحو العمل بشكل هيستيري، هذه الوضعية تسببت في خلق فجوة كبيرة بين الحياة العملية والحياة الخاصة لليابانيين وأثرت على الإنتاج، الأمر الذي دفع بالحكومة اليابانية إلى تبني سياسة جديدة أطلق عليها “إصلاح نهج العمل” وتهدف إلى مواجهة ظاهرة “كاروتشي” أو الموت من كثرة العمل
الشركات اليابانية اخترعت وسائل متعددة للحفاظ على عمالها أوقات الأزمات، حيث تخضع هذه الشركات عمالها للكثير من البرامج التدريبية وتقدم لهم المكافآت كلها، هذا مقابل إخلاص ووفاء من العمال لمؤسستهم حيث يعتبر هؤلاء نجاح المؤسسة وسام شرف لهم وهدف من أهدافهم النبيلة التى يطمحون إلى تحقيقها
تحرص أغلب المؤسسات اليابانية على توفير خدمة خاصة بالصحة النفسية، وتوفر هذه الوحدة استشارات دورية في مجال التربية النفسية لموظفي المؤسسات حرصا على بقاء الموظف قادرا على تحمل مسؤولياته تجاه المؤسسة التى هو جزء منها
في مقابل خدمات الشركة ومسؤولياتها يتصف العامل في اليابان بمجموعة من المميزات والصفات التى غرست فيه منذ الصغر والتى تقدس العمل وتجعله جزء من عقيدته، أولى تلك المميزات حب العامل لوظيفته فهذا من أسباب نجاح العامل والمؤسسة إضافة إلى الإخلاص والمهنية والالتزام والانضباط في احترام قوانين المؤسسة والحرص الدائم على نجاح أهدافها فالعامل الياباني يشعر بأن نجاح المؤسسة في تحقيق مكاسبها هو نجاح له
في نظام التوظيف الياباني حينما تواجه الشركات أزمات مالية فإنها لا تلجأ إلي طرد العمال وتقليص الرواتب وغير ذلك من إجراءات التقشف التى تفرضها المرحلة، بل تعمل على مواجهتها بخلق بدائل وظيفية جديدة داخل الشركات، وهذا الإجراء هو جزء مما يعرف بالإحتياط التعبوي لمواجهة الأزمة حيث يتم تحليل وضع الشركة وتحديد نقاط الضعف ومكامن الخلل، وتكون هناك حلول جاهزة لتنفيذها وقت حدوث الأزمة. ولأن الشركات تراهن على قوة واجتهاد عمالها من أجل تحقيق السبق في السوق، فغالبا ما تلجأ هذه الشركات إلى اختراع وسائل متعددة للاحتفاظ بعمالها وقت الأزمات
نظام الوظيفة في اليابان يختلف اختلافا جذريا عن ماهو عليه في أوروبا وأمريكا. يوفر نظام التوظيف في اليابان عمر وظيفي معين للعمال ويمنحهم امتيازات خاصة وقت الأزمات مثلا في أوروبا والولايات المتحدة حينما تواجه الشركات ضغوطات مالية فإنها تلجأ غالبا إلى تخفيض النفقات. وفي الوقت الحالي تقوم الشركات بتقليص عدد العمال ويلجأ هؤلاء إلى التسجيل كعاطلين عن العمل للاستفادة من الإعانة الحكومية الموجهة للعاطلين. الإعانة الحكومية للعاطلين عن العمل عالية جدا حيث تصل في بعض الأحيان إلي 90 % من آخر راتب كان يقتنيه العامل، بالتالي مزيدا من تسريح العمال يفضي إلى مزيد من النفقات الحكومية على العاطلين وبالتالي قد يؤدي هذا الوضع إلى خلخلة نظام التوظيف وإضعافه حيث سيكون العامل مرتاح وهو يقبض 90% من راتبه السابق دون أي مقابل، وبالتالي سيختار البقاء بدون عمل، وبالتالي لا يشجع العاطلين للبحث عن العمل كما أنه لا يشجع المستثمرين على فتح مشاريع جديدة، فهذه السياسة تشكل عقبة كبيرة في وجه التنمية الاقتصادية ورفع الإنتاجية
استطاع اليابانيون تصميم سياسات العمل بشكل فعال و متميز آخذين في الاعتبار ثقافة المجتمع وتقاليده، فقامت فلسفتهم على أن العمل مقدس وهو جزء من ثقافتهم الروحية، لذلك فإنجاز العمل بجدية وإخلاص وإتقان أمر ضروري لا مناص منه، بهذا الجد والاجتهاد استطاعوا تحقيق النمو والرفاه الاقتصادي وأصبحت اليابان من رواد الاقتصاد العالمي