فمع المسارعة في الخيرات دعاء الله عز و جل رغباً طمعاً فيما عنده و رهباً أي من عذابه و عقابه , فجدير بنا أن نمزج الأعمال الصالحة بالدعاء
الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم مر مع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه و هو يقرأ القرآن فاستمعوا لقراءته فقال عليه الصلاة و السلام ” سل تعطى .. سل تعطى ” فلما أصبح أبو بكر و عمر .. غدا كل منهما على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يسأله ما الدعاء الذي كان يدعو به فقال أما و قد سألتما فإنني كنت أقول
اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد و نعيما لا ينفد و مرافقة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم في أعلى جنة الخلد
أثناء قراءة القرآن أدعو و أسأل فلقد كان نبيكم صلى الله عليه و سلم في صلاة الليل لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ولا بآية فيها تعوذ إلا تعوذ
الأعمال الصالحة تشاب و تخلط بالدعاء , و أنت تتصدق أدع الله و أنت تصلى أدع الله و أنت صائم أدع الله و أنت في الحج أدع الله و بعد الصلاة و بعد الأعمال الصالحة كذلك , دعاء لله سبحانه و تعالى و سؤال و رجاء
نصر الله نبيه عليه الصلاة و السلام يوم بدر بدعائه و إطالة الدعاء و الإكثار منه حتى سقط الرداء عن منكبيه و هو يدعو قائلا
اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهكل هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم
سلم الله الرسول صلى الله عليه و سلم و سائر الصحابة يوم الأحزاب و أرسل الريح على أهل الكفر بدعاء
اللهم مجري السحاب هازم الأحزاب منزل الكتاب اهزمهم و زلزلهم
اسألوا الله كل ما تريدون و أعلموا أن الله سبحانه لا ينشغل بكبير عن صغير ولا بجليل عن حقير إن عطشت قل يا رب أسقني إن أغتممت قل يا رب أذهب عني الغم إن أضطربت و أضطرب قلبك ..يا رب أرزقني الطمأنينة و هكذا فقد منك مال ..يا رب رد عليّ ضالتي و هكذا
لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ما عندي شيئا إلا كما يٌنقص المخيط إذا أدخل البحر
قال النبي محمد عليه الصلاة و السلام
ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم , ولا قطيعة رحم إلا أعطي بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته أو يصرف عنه من السوء مثلها أو يدخر له الجواب إلى يوم القيامة
فوجه أنك قد تعطى الدعوة ولكن ليس في الحين كم دعا يعقوب من دعوات أن يُرد ولده يوسف إليه و رُد رداً جميلاً بعد سنوات و كم دعا الخليل إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزقه بذرية صالحة فكان أغلب حياته عقيماً و رُزق به في آخر العمر لذا قال ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ
أحياناً يصرف عنك من السوء مثلها
و وجه ثالث أن جوابك يدخر للآخرة و هو أجمل و أفضل , قال الرسول الأمين محمد عليه الصلاة و السلام
لكل نبي دعوة مستجابة و إنما ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
و وجه قد ندعو لكن ربنا يختار لنا ببركة دعائنا أفضل مما سألنا و أبرك مما سألنا و أعظم مما سألنا
وجه أن الجواب قد يتأخر , حتى تدعو و تدعو و تسأل و تسأل كلما دعوت يارب أرزقني تثاب و إن لم ترزق يارب رد غائبي تثاب و إن لم يرجع فيتأخر الجواب حتى تكثر من الدعاء فيزداد ثوابك و ترتفع درجتك و تحط خطيئتك و تشعر بالذل و الإنكسار للعظيم الجبار
لذا فإن نبي الله أيوب عليه السلام يدعو ثمانية عشر عاما ولا يعجز ربي عن إجابته من أول دعوة و لكن يدعو و يدعو حتى يحظى بعد الأعوام الطويلة بدرجات علية و شهادات كريمة ” إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” و هكذا يتأخر رجوع يوسف إلى والديه و هما يدعوان , ” عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ” و يتأخر الجواب فترتفع الدرجات و ترتفع الدرجات بسبب الدعوات فأنت كلما دعوت كلما أثبت كلما أرتفعت درجتك
وجه أنك تدعو فلا تجاب في الحال فتدعو فترى الدعوة تأخرت فتفتش ما الذي صنعته ؟ لماذا لا تُتَقبل الدعوة ؟ لعلي ظلمت فلاناً , لعلك أكلت مال أجير عمل عندك تستفيد بتأخر الدعاء أنك تفكر ماذا صنعت حتى يتخلف عني الدعاء ؟
هناك معوقات للدعاء , كدعوة مظلوم
وجه أن تكون أكلت حراماً , شربت حراماً , لبست حراماً , و ذكر النبي الأمين عليه الصلاة و السلام الرجل يطيل السفر أشعث أغبر , يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام مشربه حرام ملبسه حرام غذي بالحرام فأنى يستجاب له
ووجه فإن الشخص قد يستعجل , قال رسولكم الأمين عليه الصلاة و السلام
يستجاب لأحدكم ..ما لم يستعجل , قيل : كيف الاستعجال يا رسول الله ؟ قال يقول ” قد دعوت قد دعوت .. فلم أر يستجب لي فيستحسر عن الدعاء”، يقول قد دعوت .. قد دعوت فلم أر يستجب لى فيهجر الدعاء
الخليل إبراهيم “عليه الصلاة و السلام ” جائته الملائكة تبشره و تبشر زوجته قائلين له كما قال تعالى
إنها كبيرة القنوط من رحمة الله ،إنها كبيرة اليأس من روح الله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون فلا تيأس و لا تقنط
وجه أن الدعوة قد تتأخر حتى تفكر و تتدبر فى الأيات تتأخر الإجابة فتقرأ القرآن و أنت تقرأ تتفتح لك المعانى التى كنت تجهلها فى حال رخائك ، فى حال يسارك كنت تغفل عن معان الكتاب العزيز